1- تمهيد حول التبليغ عن الجريمة:
يقتضي الواجب الاخلاقي والديني والواجب الوطني، كما يقضي حسن التدبير ومبدأ التضامن والتكافل الاجتماعي ان يبادر جميع المواطنين الى ابلاغ مصالح الشرطة بجميع الجرائم التي يذهبون ضحيتها مهما كانت الاضرار الناجمة عنها كبيرة او صغيرة، ولكن لماذا لا يبادروا الناس بالابلاغ عن الجرائم؟
2- اسباب عدم الابلاغ عن الجرائم:
بالرغم من اهمية التبليغ عن الجرائم فان بعض الناس لا يقومون بهذا الواجب عندما يكونون ضحية لجريمة ما، وذلك لاسباب متعددة نذكر منها ما يلي:
- يعتقد البعض انه ما دام المجرم غير معروف لديهم، وما داموا لا يتوفرون على اي دليل يجعلهم يشتبهون في شخص معين فلا داعي اذن لابلاغ رجال الشرطة بذلك مكتفيا بالصبر على ما جاء به القدر.
- وفي جرائم السرقة مثلا يرى البعض أن الشيء المسروق اذا كان من المتشابه أو المماثل فانه يستحيل التعرف عليه، حيث تعتبر هذه الاشياء المتشابهة مما يوجد له عند غيره كثيرا مثله دون ان تكون له اوصاف خاصة به، مما يصعب التعرف عليه وتمييزه عن غيره في حالة العثور عليه كالموزونات او النقود، اذ لا فائدة اذن من وضع الشكايات لدى الشرطة.
- والبعض الاخر يرى انه ما دام الشيء المسروق غير ذي قيمة كبيرة، قمن الاحسن ان لا يكلفوا انفسهم مشقة اخبار مصالح الشرطة بذلك.
- وهناك اسباب اخرى مرتبطة ببنية المجتمع والثقافة السائدة فيه ومن مجملها ما يلي: نوع العادات والاعراف، والعقليات الجامدة لبعض الاشخاص، وعدم الاحساس بالامان والحماية للبعض الاخر، والخوف من الانتقام من الطرف المبلغ عنه، والخوف من الشرطة ومن استنطاقها والبحث التمهيدي الذي تجريه...الخ.
وفي الواقع فان مثل هذه الاعتقادات تشكل خطأ كبيرا، ذلك ان قيام المواطنين بالتبليغ عن الجرائم التي يذهبون ضحيتها له فوائد كثيرة، يجدر بنا التطرق اليها كما يلي:
3- فوائد التبليغ عن الجرائم بالنسبة للمتضرر:
من بين الفوائد التي يمكن ان يجنيها المتضرر من التبليغ عن الجريمة انه يمكنه ان يسترجع ما اخذ منه بفضل ابحاث وتحريات الشرطة القضائية، وبابلاغ المتضررين عن الجرائم فانهم بذلك قد يساهمون في الحد من الجرائم في المجتمع وبالتالي حماية انفسهم وحماية المجتمع ايضا.
وهكذا يمكن ان يكون للتبليغ عن الجرائم عدة فوائد اخرى نذكر منها ما يلي:
- ان الابلاغ والادلاء بجميع المعلومات المتعلقة بالشيء المسروق وظروف سرقته تحفز اجهزة الشرطة بالقيام بالابحاث والتحريات اللازمة للقبض على اللصوص.
- امكانية استعادة المسروقات التي ضاعت من المواطن او بجزء منها على الاقل، وذلك بفضل المجهوادات التي تقوم بها الشرطة والتي غالبا ما تكلل بالنجاح.
- في حالة كان السارق مجهول، وليست هناك اي معلومات يمكنها ان توجه البحث، فينبغي ان لا يفقد الامل في استرجاع ما سرق، بل يجب ابلاغ مصالح الشرطة، ووضع شكاية ضد مجهول، فقد يقبض على السارق عند ارتكابه لجريمة اخرى، ويؤدي استنطاقه الى الاعتراف بالجريمة الاولى ايضا.
ومثل هذا الامر يحصل كثيرا ان يلقى القبض على اللصوص فيعترفون بسرقات متعددة، لكن الشرطة لا تتمكن من ارجاع المسروقات المعثور عليها في هذه الحالة الى اصحابها، لانهم لم يتقدموا اليها لابلاغها بالسرقة وتسجيل عناويهم، ولان السارق هو ايضا لا يعرف غالبا هوية ضحاياه بل خاصة اذا ارتكبت فعلته في اماكن عمومية كمحطات الركوب والحافلات والاسواق وغيرها.
4- فوائد التبليغ عن الجرائم بالنسبة للمسؤولين:
ويتجلى هذا الامر جليا في مسالة تتبع حركة الاجرام، ومعرفة النقط السوداء من حيث الاجرام، وبالتالي التخطيط لتدبير الامن الواجب اتخاذها لمواجهة هذه الظاهرة الاجرامية الخطيرة.
ومن المعلوم ان اخبار الشرطة بالجرائم المرتكبة حتى اذا لم يؤد الى القبض على المجرمين أو استرجاع الحقوق، فانه يساعد مصالح الامن على وضع الاحصائيات الدقيقة عن عدد وانواع الجرائم المرتكبة وعن اماكن ارتكابها، فيمكنها ذلك من التخطيط لمواجهة تطورات حركة الاجرام بالبلاد وتتبع حركة المجرمين من خلال اسلوب ارتكابهم الجريمة، وبذلك يتضح لمصالح الامن الوطني الاجراءات اللازمة عن بينة واطلاع وتتخذ تدابير الامن الخاصة بمكافحة الجريمة حسب انواعها واماكن ارتكابها.
ومما لا شك فيه ان هذه الاحصائيات سواء كانت محلية او وطنية، فانه يتم الاستعانة بها من طرف النيابة العامة لوضع السياسة الجنائية للبلاد، ويتم الاستعانة بها ايضا من طرف المشرع لاعادة النظر في دراسة القوانين وتعديل القانون الجنائي، ويتم احيانا صدور تعديل في فصل من فصول القانون الجنائي من اجل التشديد ورفع العقوبة في جريمة قد اصبحت خطرا على المجتمع وتهدد الامن والسلم الاجتماعي.
5- عقوبة عدم التبليغ عن الجرائم:
ان عدم تبليغ السلطات المختصة عن الجرائم وفق ما ينص عليه القانون، يسيء إلى الجهود المبذولة من طرف هذه السلطات من اجل مكافحة الجريمة وفرض سيادة القانون وتطبيق القانون على المخالفين له بما يحقق الردع المطلوب، وهذا ما تم التنصيص عليه صراحة داخل أحكام مجموعة القانون الجنائي أو في نصوص قانونية خاصة.
ففي القانون الجنائي المغربي ينص الفصل 299 على انه: يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين وحدها، من علم بوقوع جناية أو شروع فيها ولم يشعر بها السلطات فورا.
تضاعف العقوبة إذا كان ضحية الجناية أو ضحية محاولة ارتكاب الجناية طفلا تقل سنه عن ثمان عشرة سنة.
وفي الفصل 209 ينص على انه: يؤاخذ بجريمة عدم التبليغ عن المس بسلامة الدولة، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من ألف إلى عشرة آلاف درهم، كل شخص كان على علم بخطط أو أفعال تهدف إلى ارتكاب أعمال معاقب عليها بعقوبة جناية بمقتضى نصوص هذا الباب، ورغم ذلك لم يبلغ عنها فورا السلطات القضائية أو الإدارية أو العسكرية بمجرد علمه بها.
6- الخاتمة:
ومن هنا يتبين بكل وضوح ان ابلاغ السلطات المختصة بالجرائم يفيد في جميع الاحوال، ولهذا يجب على جميع المواطنين ان يقوموا بالتبليغ عن الجرائم كيفما كان الضرر اللاحق كبيرا او صغيرا او مهما كان الامل ضعيفا في اعادة الحال الى ما كانت عليه.
وعليه فان التبليغ عن الجرائم يعتبر واجب أخلاقي وواجب ديني وواجب وطني يقع على عاتق المواطن، وهو مبدأ ينطلق من التضامن والتكافل الاجتماعي، ويجب ان يقوم به كل مواطن بصفته عونا للعدالة وحماية للمجتمع الذي يعيش فيه.
-------
المرجع:
- بتصرف من الانترنيت.
- مجموعة القانون الجنائي المغربي.
- بتصرف من مجلة الامن الوطني العدد 183 السنة 1995.
--------------
اقرأ أيضا:
- تحميل نموذج شكاية التبليغ عن السرقة ضد مجهول.
مرحبا بك اخي الكريم، اذا اعجبتك هذه النماذج، فلا تبخل علينا برآيك وأترك بصمتك، باضافة التعليق أسفله، وشكرا.